السبت، 20 يوليو 2019

العصر.

العصر حالة خاصة وعجيبة من اليوم.
حالة يختلف تعبيرها من إنسان لإنسان، فالصغار يرونه وقتاً مناسباً للعب، والكبار يتخذونه للنزهة والتجول.

هو ذلك الوقت الذي تحدث عنه شعراء العرب ووصفوه بأوصاف مختلفة.
وهو بالنسبة لأهل الشرق وقت قصير وذو طابع خاص، فهو منتصف اليوم والفاصل بين الليل والنهار.
وحينما تنظر بعيناك للأرض في هذا الوقت تجد أن نصفها أخذ يحتضن الظّل، بينما النصف الآخر على وشك أن يودع الشمس.
في وقت العصر تبدأ درجة الحرارة بالانخفاض، فيخرج الناس لأعمالهم وحياتهم بعد أن كانوا يحتمون في بيوتهم عن حرارة الشمس.

وحينما أتجول في أطراف الحارة في هذا الوقت تحديداً، تظهر أمامي الذكريات القديمة، وأشاهد أمامي بعض الأقارب والأصدقاء الذين غابوا عن حياتي إمّا غياباً أبدياً بسبب الموت، أو غياباً آخر لظروف الحياة والعمل.


أتذكر في هذا الوقت سنوات الطفولة والشباب حينما أذهب لألعب كرة القدم في ملعب الحارة، وكيف أنّ حلول هذا الوقت هو أقسى طموحنا ومتعتنا، وكيف تم تهديدنا بالمنع عن الذهاب والخروج للملعب عندما لاننفذ المهام والواجبات التي يطلبها الوالد أو الوالدة.
   
إنني أتذكر في هذا الوقت تلك الأيام التي كنا نقضيها في القرية عند الأخوال والأعمام، وكيف كانوا يفرشون الفرش الخفيفة فوق الرمل أمام بيوتهم من جهة الشرق، حيث الظل والهواء البارد، ثم يأتون بالتمر والإقط والقهوة في منظر يجلب الراحة والهدوء والسكينة.
... هذه السكينة العجيبة التي تلازمنا في هذا الوقت، وكأن أحداً يتحدث إليك بأن عمرك وسنوات حياتك هي كالأرض، ما إن تفرح بشروق الشمس حتى يأتي عليها الغروب بعد ساعات معدودة.

وأمة الاسلام كسائر الأمم الماضية، لازالت  تعظّم هذا الوقت لأوجه عدة، فقد تواترت الأقوال على أن الله عز وجل خلق آدم في آخر ساعة من عصر يوم الجمعة، والتسبيح في هذا الوقت له فضل عظيم ذكره ربنا في القرآن
 { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب }. ق 39. والمقصود بقبل الغروب هو صلاة العصر.

وروي عن الرسول صل الله عليه وسلم أنه قال:  
إنما بقاؤكم فيما سلف قبلكم من الأمم، كما بين صلاة العصر إلى غروب الشمس، أعطي أهل التوراة التوراة، فعملوا بها حتى انتصف النهار ثم عجزوا، فأعطوا قيراطاً قيراطاً ، ثم أعطي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا به حتى صلاة العصر ثم عجزوا، فأعطوا قيراطاً قيراطاً، ثم أعطيتم القرآن، فعملتم به حتى غروب الشمس، فأعطيتم قيراطين قيراطين. قال أهل التوراة: ربنا هؤلاء أقلُّ عملاً وأكثر أجراً قال: هل ظلمتكم من أجركم من شيء قالوا: لا، فقال: فذلك فضلي أوتيه من أشاء). صحيح البخاري.

وهذا الحديث اختلف العلماء في تفسيره، ومنهم من يرى أنه دليل على فضل هذا الوقت، وخاصيته لأمة الإسلام، ومنهم من يستدل من خلاله على أن الوقت الذي ستعيشه أمة محمد يقارب إلى مدة وقت العصر بالنسبة إلى اليوم....... وهو لاشك وقت قصير جداً.

كل هذا التفسيرات هي اجتهادات قد تصيب وقد تخطأ، ولا أعلم ما الذي أخذني للحديث حول هذا الوقت العجيب، ولربما أن أجمل أيامنا، وطفولتنا، وشبابنا كانت فيه، فوجب علينا أن نقف قليلاً في الظل لنكتب عن العصر.

العيد 1445 هـ

كل عام وأنتم بخير .... يعود العيد في كل عام ... وفي كل عام تختلف الأجواء ...  في هذا العيد كانت الأجواء ماطرة وجميلة .. وكل شيئ كان رائعاً. ...