السبت، 16 أبريل 2022

الصيام الرقمي.

" لا تندهش، فحتى هذه اللحظة لا أملك حساباً على مواقع التواصل الاجتماعي".

 هكذا بدأ أستاذ الحاسب الآلي في جامعة جورج تاون الدكتور كالفن نيوبورت خطابه على منصة Ted.

حقاً هي مفاجأة، فكيف بأستاذ حاسب آلي يهجر برامج التواصل الرقمية، وهو ابن هذا التخصص؟!!

ولماذا يا أستاذ كالفن هذه القطيعة؟

يعلّل كالفن هذه القطيعة بأن شركات برامج التواصل تقوم بتوظيف مهندسي جذب يعملون على تعديل برامج الشركة كي تُصبح ذات نمط إدماني، وأن مسألة الوعي ليست كافية لضبط أنفسنا والتقليل من ساعات التواجد في هذه البرامح، ولهذا قرر كالفن منذُ وقت مبكر عدم تحميلها.

الوعي مجرد معلومات تفقد قدرتها حينما يصل الإنسان لمرحلة الإدمان، ومجرد معرفة مساوىء هذه البرامج لايكفي للسيطرة عليها.

فلايوجد اليوم أكثر وعيًا من المدخن بخطورة التدخين، ولكنه تحت تأثير النيكوتين الذي يملأ جسده يضطر لإشعال سيجارته مرة أخرى بعد أن أخذ على نفسه عهداً بترك هذه الآفة بداية العام.

تحرر الإنسان من الإدمان مسألة معقدة وتحتاج لخطوات، وطرق علاجية متنوعة.

 

يقول كالفن نيوبورت:

" عندما تقرر التخلص من وسائل التواصل الاجتماعي فإن الأسابيع الأولى ستكون عصيبة عليك، و ستشعر و كأنك تتخلص من بعض السموم، بل و كأنك فقدت شيئا من أطرافك، لكن بعد كل ذلك ستشعر بالاستقرار و الراحة".

 قبل عامين و في أحد الإجازات قمت أنا المدعو بدر بالإقدام على حذف برامج التواصل الاجتماعي لمدة أسبوع، طبّقت من خلالها مايسمى بالصيام الرقمي.

أردت بهذا التصرف تجربة الحياة الطبيعية بعيداً عن هذه البرامج.

وما الذي حدث بعدها ياسيد بدر؟

حدث التالي:

-       الكتب التي اشتريتها ولم أُكملها أنهيتها في أيام قليلة.

-       المشاعر المزعجة التي تنتابني عند قراءة بعض التغريدات لم أعد أعرفها.

-       اتجهت للإنترنت وليس لبرامج التواصل، فثمّة اختلاف بين الانترنت وبرامج  التواصل. حيث في الانترنت توجد الموسوعات المعرفية، والكتب الصوتية والإلكترونية - برامج البودكاست واليوتيوب - تطبيقات تعليمية وتربوية مثل Coursera، وتطوير للذات كمنصة Ted، وكذلك المدونات المجانية التي تساعدنا على كتابة المقالات كهذه المدونة التي أكتب لكم من خلالها.

أمور عديدة تحسّنت على المستوى الشخصي في ذلك الأسبوع، ناهيك أن الحياة بحد ذاتها باتت جميلة بعيداً عن صور انستجرام المغرية، ومقاطع تيك توك السّارقة للوقت، وأخبار تويتر المزعجة، وصداقات فيس بوك الكاذبة، وإعلانات سناب شات المخادعة.

كان أسبوعاً خالياً من نوبات القلق، و حالات التوتر، ومشاعر الغيرة.

قرأت واستمعت لتجارب البعض ممن مارسوا فكرة الصيام الرقمي، ومدى تأثير هذه الخطوة عليهم، والجميع وصفها بالتجربة الرائعة، والمثمرة.


أنا أُدرك عزيزي القارىء أنك الآن تتسائل: كيف تقوم ياسيد بدر بجلد وسلخ برامج التواصل الاجتماعي، والتي لولاها ما وصلتنا هذه المقالة؟! أنت تُشبه ذلك الذي يعض يداً مُدّت إليه ! 

هذا تسائل في محله، ويدل على أن عقلك يعمل بشكل جيّد، هذا إن كنت قد تسائلت حقاً.

ولكن ماذا عساي أن أفعل؟ فالصحف الورقية، وإيميلات البريد الإلكتروني، والمنتديات، كل هذا انتهى زمنه، والعالم كله أصبح محشوراً داخل هذه التطبيقات، ولايوجد طريقة لشتم برامج التواصل إلا من خلال برامج التواصل.!! 

ختاماً؛ أذكركم بمقولة مؤلمة للبروفسور كاري كوير أستاذ علم النفس في جامعة لانكستر، يقول السيد كاري: "نحن حالياً خدم للتكنولوجيا، ويجب أن نتولى زمام الأمور ونصبح السادة".

صحيح يا كاري، يجب علينا تولي زمام الأمور، فنحن الآن تحت سيطرة هذه البرامج المجنونة.

دمتم بود، وصياماً مقبولاً، وذنباً مغفوراً، وإلى لقاء آخر.

العيد 1445 هـ

كل عام وأنتم بخير .... يعود العيد في كل عام ... وفي كل عام تختلف الأجواء ...  في هذا العيد كانت الأجواء ماطرة وجميلة .. وكل شيئ كان رائعاً. ...