الثلاثاء، 3 يونيو 2014

اليوم الثامن: مصطفى وأبوه وصديقهم في القاعة.


أن يكون مصطفى في قاعة الاختبار التي تراقب بها فتلك مصيبة، لكن أن يكون مصطفى وأباه وصديقه في القاعة  فالمصيبة هنا أعظم.
بدأ اختبار اليوم ولم أكن موجوداً في القاعة، فقد تأخرت عشر دقائق بسبب غفوة معتادة تأبى الا أن تنتابني في كل أسبوع، 
بعد مرور منتصف الوقت على اختبار الكيمياء، بدأ بعض طلاب الثالث ثانوي بالخروج من القاعة، بينما استمر البقية في اكمال الاختبار، وكان من بينهم السيد مصطفى.
زميلي المراقب في القاعة كان من نفس البلد الذي ينتمي اليه مصطفى، والرجل كان محترما ومؤدباً، وصاحب خلق رفيع.

بينما مصطفى يؤدي الاختبار، كان أحد الطلاب الآخرين يجلس في زاوية القاعة , وأخذ ينظر إلي من وقت لآخر وهو يوزع الابتسامات الجميلة، حتى أنني بدأت أتفقد شكلي واهتزت ثقتي بنفسي, فاقتربت منه لأعرف ماذا يريد, فنظر للورقة وقال " مافيه مساعدة "
وهنا ارتحت قليلا وأخذت أسترجع بعضا من أنفاسي, فموضوع الابتسامات ليس موضوع شخصي, فالرجل يريد العون والمساعدة فقط.
وهذه معلومة مهمة أنوه عليها زملائي أثناء المراقبة، فحين يحملق إليك طالبا بعينيه وهو مبتسما فهذا لايعني أنه يسخر من شكلك، بل هي نظرات براءة وضعف، يريد منها الطالب أن تفهم معاناته وتساعده باجابة أحد الأسئلة.
أخبرت الطالب بأنني لا أستطيع مساعدتك، فتخصصي ليس له علاقة بالكيمياء، رد علي بكل بجاحة " دبرني من هنا أو هناك"
ويقصد بهذه الجملة أن ألقي نظرة على ورقة طالب متفوق وأنظر لاجابته ثم أساعده في الحل, وهذه طريقة متعارف عليها في قاعات الاختبار منذو القدم, فحين يكون تخصص المعلم ليس له علاقة بالاختبار, ويرغب بمساعدة أحد الطلاب, فليس أمامه الا هذه الطريقة.
انسحبت عن هذا الطالب وبدأت أبتعد عن المسار الذي يجلس فيه, لأن وضعه مخيف, وربما يوقعني في حرج كبير.
الأخ مصطفى انتبه لما حدث بيني وبين زميله الطالب, فبدأ يستخدم نفس الطريقة معي ظنا منه أنني قمت بمساعدة زميله.
أخذ يرسل إلي نظرات التودد والعطف, ويكررها أكثر من مره, حتى اضطررت أنه أقترب منه ليكف عن هذا التصرف, فما أن اقتربت من طاولته حتى فاجأني بالمصافحة وسؤال سريع:  " ايه التخصص يا أستاذ ؟    "أجبته بسرعة مع سخرية " فيزياء نووية "
فرد علي: " أها  ليس لك علاقة بالكيمياء "  قلت ايه ليس لي علاقة لا من بعيد ولاقريب.
سكت مصطفى وأقفل الابتسامة المصطنعة، وعاد ينظر لورقته يفكر باجابة الفقرة التي توقف عندها.
لاحظت بعد دقائق بتردد أحد المعلمين على باب القاعة، ويأخذ بالتحدث إلى زميلي المراقب بصوت خافت، ثم يذهب ويعود مرة أخرى، حتى استغربت من تصرفه هذا, وكان ينظر الي بخجل واحترام فائق.
في الحقيقة لم يتبادر لذهني ولم أتخيل أن أب مصطفى هو من كان يتردد على الباب. كل هذا لأجل فقرة يا أبا مصطفى؟! 
اتقي الله يارجل، فهناك من الطلاب من لم يجيب على بعض الأسئلة وخرج وهو راضي عن نفسه وفرحاً بما قدم.
انزعج زميلي المراقب من تصرف أب مصطفى فنفذ طريقة ليتخلص منها من مصطفى وأبوه، فقام بوضع حد لما يحصل، فأخذ عهدا عليهم أن يساعدهم بشرط أن يبتعد الأب ويُنهي مصطفى الاختبار.
وبالفعل نجحت العملية، وانتهت بذلك تصرفات الأب الحنونة والغير مثالية, وذهب بعيداً عن القاعة.
بعد نصف ساعة تقريباً كان أغلب الطلاب قد انتهى من تسليم ورقة اجابته، وانتهت بذلك الفترة الأولى.
الفترة الثانية كانت لمرحلة واحدة فقط وكان الاختبار في أحد مواد الدين.
نعود لموضوع مصطفى وأبوه، ولماذا يحاول أغلب المصرييون الدارسين في المدارس السعودية بالحصول على نسبة ١٠٠٪ في الثانوية العامة.
بعد قرائتي على عجالة لبعض شروط القبول في الجامعات المصرية لشهادات الطلاب القادمين من السعودية، أيقنت بأن هؤلاء الطلاب وآبائهم يعيشون  معاناة كبيرة وصعوبة بالغة في الدخول في الجامعات المصرية. فالجامعات هناك تقوم بحذف مواد التربية الاسلامية والتفسير والتربية البدنية والوطنية والسلوك والمواظبة من مجموع درجات الطالب, ويحذف أيضا مجموع هذه الدرجات من علامات النهاية الكبرى. 
في الاونة الأخيرة وبعد تغير نظام النسبة العامة في السعودية وبعض الدول الأخرى, بدأت بعض الدول العربية تتشابه في كيفية احتساب النسبة العامة للمرحلة الثانوية، وأصبحت الأنظمة قريبة من بعض، لكن لازال الاختلاف في القيمة التي تفرزها هذه الدول، فالنسخة الأصلية لمصطفى تتكاثر في مصر والأردن، بينما يقل وجودها في دول الخليج .
دمتم بخير، ونلتقي غداً باذن الله في آخر أيام الاختبارات. 

4 - يونيو - 2014 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

العيد 1445 هـ

كل عام وأنتم بخير .... يعود العيد في كل عام ... وفي كل عام تختلف الأجواء ...  في هذا العيد كانت الأجواء ماطرة وجميلة .. وكل شيئ كان رائعاً. ...